نقلت وسائل الإعلام خبراً حول بيع صورة للفنان الشهير فرانسيس بيكون، رسمها صديقه الفنان البريطاني لوسيان فرويد، الشهر المقبل بسعر يصل الى سبعة ملايين جنيه استرليني، وهي إحدى صورتين فحسب رسمها فرويد لصديقه والصورة الوحيدة التي يعرف مكانها، والصورة الأولى التي تعود لعام 1952 مفقودة منذ عام 1988 عندما سرقت من معرض في برلين.
رسم فرويد إعلاناً للبحث عن اللوحة المفقودة عام 2001، لكن على الرغم من بعض المعلومات غير المفيدة لم تُستعد اللوحة. تعود الصورة التي ستباع في مزاد كريستي في لندن في 19 أكتوبر (تشرين الاول) لعامي 1956 - 1957. تلك الصورة التي تعبر عما يدور في ذهن بيكون من خلال تعبيرات وجهه غير مكتملة، إذ تظهر وجه بيكون من جبهته الى ذقنه فحسب.
كانت أول لوحة لفرويد تدخل مزاداً علنياً بعنوان «هي وزوجها» عام 2007، ووصل سعرها إلى 19,3 مليون دولار، رسمها عام 1992 وهي تصوّر ابنته ايزابيل. بيعت لوحة له تمثل عارضة الأزياء كيت موس عارية وهي حامل، بنحو أربعة ملايين جنيه، ما يعادل 8،5 ملايين يورو خلال مزاد علني نظِّم في دار «كريستيز» في لندن. رسم فرويد الذي يبلغ 82 عاما تلك اللوحة لموس قبل عامين خلال جلسات ليلية في منزل الرسام عندما كانت العارضة حاملا بطفلها الأول. تمثل اللوحة العملاقة العارضة البريطانية الحامل ممددة على سرير تحني رأسها الى كتفها وتتكئ على وسادة. قالت الصحف إن هاوي مجموعات اشترى اللوحة بعدما أنجزت، بقيمة 275 مليون جنيه، حوالي 8،3 ملايين يورو.
كذلك بيعت لوحة «سو السمينة» لفرويد بـ 34 مليون دولار، وتعتبر أغلى لوحة على الإطلاق رسمها فنان ما زال على قيد الحياة. يرجع تاريخها الى عام 1995، تصوّر إحدى سكان العاصمة البريطانية لندن، سو تيلي، المعروفة باسم سو السمينة والتي تعمل الآن مديرة مركز توظيف، وهي مستلقية عارية على أريكة.
فرويد فنان انكليزي ولد في برلين عام 1922، وهو حفيد عالم النفس الشهير سيغموند فرويد. هاجرت أسرته الى بريطانيا وهو لم يبلغ العاشرة بعد. بدأ حبه مبكراً للرسم، ثمّ كرس وقته كله في احتراف الفن عام 1942 بعد عجزه عن العمل في الأسطول البحري البريطاني. منذ عام 1951، حينما حاز جائزة احتفال بريطانيا بعمله «داخل بادينغتون» المعروض في غاليري ووكر في ليفربول، اعتبره النقاد من أقوى الفنانين التشخيصيين المعاصرين.
يختص فرويد عموماً بالصور الشخصية «البورتريه» ليتجاوز المدارس المعهودة ويستقل برؤية وتقنية خاصتين به ليجاور ويتجاوز فرانسيس بيكون المشهور أيضا في هذا المجال. كانت أعماله في البداية ملوّنة على نحو دقيق مهني وتعنى بالتفاصيل، لذلك وُصِفَ بأنه فنان واقعي أو ما فوق الواقعية، لكن «التشخيصية» في أعماله جعلته في تقييم النقاد، في ما بعد، يحرز مكانة خاصة بعيدة بعض الشيء عن غيره من الفنانين التشخيصيين المحدثين في بريطانيا منذ منتصف القرن الماضي. أضحت أعماله منذ أواخر الخمسينات تكتسب طابعاً أعمق في إضفاء الكشوفات السيكولوجية على الوجوه التي يرسمها، برصد تاريخها وموقعها الاجتماعي ويعري عواطفها ومشاعرها. لذلك غدت أعماله أكثر توسعاً وأشدّ تعبيرية. وصفه الناقد روبرت هوكر بأنه «أعظم فنان واقعي حتى الآن». ثمة من يقول إنه يرسم أولئك الأصدقاء والمعارف الذين عاش معهم ورصدهم طويلاً. بهذا، فإن أعماله تستبطن وتكشف نماذجه بما هم عليه، ليس على ما نراه في الواقع، وتحدث فرويد نفسه عن «ميله ونزوعه تجاه الناس ذوي الأحجام الغريبة وغير العادية»، وهو بذلك يشير إلى المرأة التي يناديها عاطفيا، «بيك سو»، أي الغزل الكبير وقال: «إنه كان مدركًا جدا لجميع أنواع الأشياء المثيرة للتعامل مع حجمها والأشياء التي لم يشاهدها أحد سابقًا». يضيف:»إني أحب رسم الناس الذين أشاهدهم بالصدفة ومن دون ترتيب سابق».
فرويد حاضر بقوة في المشهد التشكيلي العالمي، ليس بسبب أعماله فحسب، المثيرة للجدل دائماً، وإنما بسبب شخصيته أيضاً، إنه «شخص صعب»، كما تصفه بعض الأوساط البريطانية. تثير أعماله الجدال في العالم بشأن أسلوبه ومغامراته في عالم التشكيل ونوعية المدرسة التي اهتم بها، وهي تركز على البناء الإنساني أكثر من أي شيء آخر. أعطى فرويد بفنه مكانة لتيار بريطاني معاصر، بدأ يلفت الإنتباه في هذا العصر، فإذا كان الفن الإيطالي والهولندي بمدارسه جذب الإنتباه في عصور النهضة والأخرى الكلاسيكية، فإن فرنسا فتحت أبوابها للعصر الإنطباعي، ثم استقطبت التيار الأسباني المتمرد مثل بيكاسو وسلفادور دالي.
الملكة
ليس سهلا الاقتراب من فرويد، أو فلنقل إنه يتمسك بكبرياء الفنان، مثلا، جرت مفاوضات معه لرسم بورتريه لملكة بريطانيا، بعد أن عبّر مراراً عن رغبته في ذلك، لكن بحسب شروطه التي لا تقبل المساومة: جلسات لا تقل عن 72 جلسة، وفي مرسمه الخاص، مطلقاً عبارته الشهيرة: لتأت الملكة إلى مرسمي. جلست الملكة بسكون. طوال ساعات، طوال أيام. تجاوزت الملكة التقليد الذي دأبت عليه مع الفنانين الآخرين. اقتطعت من وقتها ومنحت فرويد ما اقتضاه عمله الفني من وقت وجهود في تلوين صورتها الشخصية.
يقول مارتين غيفورد في جريدة «التلغراف» البريطانية: «رأينا الملكة آلاف المرات، لكننا لم نرها بهذا الشكل أبدا». إنها تبدو جذلة، لكن على قدر كبير من التصميم والصرامة في الوقت ذاته، واثقة من نفسها، لكن من دون عجرفة، ففرويد كان حريصاً، كما في كل رسوماته، على إبراز ذلك التنوّع الفريد في الشخصية الإنسانية. إنها صورة صغيرة، لكن ذات تأثير كبير، أو، كما عبّر فرويد نفسه، «أردت أن ارسم صورة كبيرة صغيرة». يتكشف جمالها الخفي تدريجياً.
تم النقل من جريدة الجريدة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق